The Lebanese Flag

 

CENTER FOR DEMOCRACY IN LEBANON


 


 







ماذا تريد الادوات ويقول المريدون ؟

بقلم محمد سعيد الرز ()

 
السبت 15 تشرين الأول 2005  -- النهار
 

ينطلق الخطاب الرسمي السوري حول لبنان، من ان ما يقوله هو الصحيح، وان اي اجتهاد آخر ليس سوى مجرد فحيح!... على الاقل هذا ما يؤكده الدكتور عماد الشعيبي في تنظيراته، ورئيس مجلس الشعب السوري محمود الابرش  في تحليلاته، ورئيس الحكومة ناجي العطري في ادبياته ولقاءاته، اذ قبل 60 يوما فقط حسم المسؤولون السوريون بما لا يدع مجالا للشك، ان القاضي الالماني ديتليف ميليس مرفوض في سوريا  بسبب قلة نزاهته وانتماءاته المشبوهة، ثم بعد اسبوعين اصبح من المرحب بهم في عاصمة الامويين متى يشاء ولمقابلة من يريد، دون ان ينسوا، طبعا، اضافة اللازمة "الاستراتيجية" القائلة: طالما انه يبقي تحقيقاته في الاطار الجنائي! وكأن ميليس جاء الى المنطقة، ليس ليحقق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، بل في جريمة ميشال عفلق في انشاء حزب البعث!

والمسؤولون في سوريا، كأنهم يصدقون انفسهم بهذا الخطاب، بل يريدون من الآخرين ان يصدقوهم، خصوصا اذا تعلق الامر بالساحة اللبنانية، فاذا قال احد كبارهم انه لا توجد مسؤولية على اي سوري بجريمة اغتيال رفيق الحريري، ولو بنسبة صفر في المئة، فان سائر المسؤولين عندهم، وبموجب ادخال سوريا عصر المعلوماتية، يرددون بكبسة زر واحدة على الكومبيوتر، العبارة ذاتها على اساس انها اقنوم ثابت لا تصح هوية وطنية او قومية بدونها، بل يصبح هذا الموقف هو الذي لا يدانيه الخطأ بين يديه او من خلفه. وبعدها تبدأ جوقة "السميعة" و"الصفيقة" في لبنان في اداء دورها امام مذبح الوطن، فتتلو فعل الندامة اولا، ثم تردد نظرية "الصفر في المئة"، وتبارك "جبريل" الآتي من دمشق بالحامل والمحمول. وليكن موت ابنك يا بيروت حياة لراغبي العودة الى الوزارات والادارات والكازينوهات والمجلس الاعلى للانتفاع الاخوي.

كل هذا وتقرير ميليس لم يصدر بعد، ليعرف الناس اذا كانت هناك مسؤولية على احد من اركان النظام السوري ام لا وكأنها حملة مضادة استباقية بدأتها دمشق لتقطع الطريق على ما يمكن ان يعلنه التقرير ووظفت فيها سياسيين وبقايا صغار الكسبة واعلاميين، لكن هذه الحملة وهي في بدايتها ظهرت سذاجتها السياسية، ففيما "يحرص" المسؤولون السوريون على الترحيب بالقاضي ميليس في الشام، تصدر التهديدات بذبحه عبر بيانات لجند الشام، ويجري التشكيك من اعلى مرجع عدلي لبناني بأهمية ما سيرد في التقرير، ثم تنعطف الحملة ضد الحكومة، خصوصا من وزراء سابقين كل انجازاتهم تضخيم ثرواتهم وتحويل وزاراتهم "تكية" لهذا او ذاك.

وفي الحملة المضادة هذه يتبلور دور الادوات. فهناك "العلماء" وهناك "المريدون" الذين يزايدون دوما على "ائمتهم"، فاذا قال الاولون ان ميشال عون سرق 40 مليون دولار من خزينة الدولة وزار سفارة اسرائيل في باريس، فان "التابعين بالتي هي احسن" سرعان ما يسمونه الجنرال "بنيامين عون". واذا عاد "العلماء" بعد خمس سنوات وقالوا انه نظيف الكف والمسلك فان "المريدين" يسبغون عليه لقب "صاحب الغبطة" ويتساءلون ببراءة: "اذا لم يمثل ميشال عون المسيحيين، فمن يا ترى يمثلهم"؟ ثم يرتد هؤلاء الى خط الهجوم ويتهمون الذين رأوا الموت بأعينهم بواسطة التفجيرات والعبوات "الطليعية"، والذين فقدوا بالواسطة نفسها آباءهم واخوانهم وزملاءهم، بأنهم يذهبون الى باريس لملاقاة "صاحباتهم". ما شاء الله على هذا التحليل السياسي العميق وهذه النظرة الاستراتيجية الثاقبة التي يحملها النقي التقي الطاهر العلم، والتي من شأنها ان تدفع كل اللبنانيين الى شكر سوريا التي طوبت هذا "القديس" ورفعته الى مرتبة الثوابت في النيابة والوزارة!

وليس من شك في ان معادلة "العلماء" و"المريدين" ليست جديدة بل تعود الى ذلك الزمن، الذي خرجت فيه بصراحة ومن ضمن المرات القليلة كلمات على لسان نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام يعلن فيها رغبة دمشق "في استرجاع" الاقضية اللبنانية الاربعة، تماما كما اعتبر صدام حسين بعد ذلك بنحو عشرين عاما غزوه  للكويت "استردادا" لاحدى محافظات العراق. ومن ذلك انه حين كانت السماء تتلبد بالغيوم في دمشق يحاول "المريدون" استمطار الغيث في بيروت. فالملحن الراحل محمد سلمان هو مخرج الروائع لانه قدم اغنية "سوريا يا حبيبتي" عام 1973. اما المطرب عاصي الحلاني فهو ملعون وصابيء لانه غنى "بيروت عم تبكي" عام 2005، فيما نورمان اسعد باتت تماثل القديسة ريتا بعدما ادت وصلة "الردح" في جديدة يابوس ضد اللبنانيين "الذين ظهروا على حقيقتهم في 14 آذار".

"المريدون" يمزقون حناجرهم اليوم دفاعا عن بندقية احمد جبريل وحق الفلسطينيين في التسلح لضمان امنهم في مواجهة اسرائيل، ألا من يذكرهم بمواقفهم وبمواقف آبائهم واجدادهم تجاه الوجود الفلسطيني في لبنان منذ عام 1969؟ اليس معيبا ان يغفل اي واحد فيهم عن مطالبته بتكفير شارل حلو وطنيا، والذين معه، لانهم عقدوا اتفاق القاهرة مع المقاومة الفلسطينية؟ او ينسى دعواته لتطهير لبنان من الفلسطينيين منذ عام 1971؟ ثم حرب المخيمات في بيروت وكل لبنان اواسط الثمانينات وما تخللها من ممارسات مشينة،  ثم تدمير طرابلس وطرد الفلسطينيين منها؟ اللهم الا اذا اصبح احمد جبريل سويسريا وليس فلسطينيا؟

ولعله من المضحك المبكي ان يتحدث "التابعون بالتي هي احسن" اليوم عن الوفاء كقيمة ينبغي ان يحفظها اللبنانيون للمسؤولين السوريين؟ الا من يسأل البكائين عن مكانة هذا الوفاء ومحله من الاعراب لدى معلميهم انفسهم؟ وكيف حفظوا تضحيات اللبنانيين الذين قتلوا وسجنوا وهجروا وعذبوا كي تدخل طلائع الجيش السوري مع قوات الردع العربية الى لبنان لتطبيق قرارات الحل العربي عام 1975؟ بمعنى آخر ما الذي فعلوه سوى مكافأة الرفيق عاصم قانصوه بتعيينه وزيرا رغم انه وقتها اصدر بيانا هاجم فيه الرئيس حافظ الاسد و"تبرأ" منه؟ بل كيف تعامل "الاوفياء" مع كل صوت تمسك بدورهم في اصعب الاوقات وتحت جنازير الدبابات الاسرائيلية عام 1982؟

السجل مليء، والقائمة طويلة، وظلم ذوي القربى اشد مضاضة. ومن كان يسكت على مضض، لأنه اعتبر نفسه "ام الصبي" ماذا عساه يقول وهو يرى هذا "الصبي" مشنوقا او مسلوخا، او ممسوخا، او مسحوقا داخل زنزانة كتبوا على بابها "ذات رسالة خالدة"؟ ومما تتفتت له الاكباد، ان ينبري احد من المريدين ليقول: يكفي ان المسؤولين السوريين حرروا لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، وهو ما لم تستطع القيام به اي دولة عربية منذ نكسة عام 1967؟

من المؤكد ان هؤلاء يحملون سوريا ما لا طاقة لها به، لانها لو استطاعت ذلك فعلا لكان الاولى بها ان تحرر ارضها المحتلة منذ تلك النكسة المشؤومة، ولعله من المحرمات الوطنية ان يتجاهل اي كان دماء شهداء الوطن التي سالت في ميدان الشرف واستطاعت توحيد اللبنانيين في جبهة متراصة ادت الى استرداد الارض بكرامة وعزة. وهو، فعلا، ما لم تستطع اي دولة عربية، غير لبنان، القيام به منذ نكسة 1967. ويدعي التابعون ان المرارة حارقة عند المسؤولين السوريين، لان لبنان ارتكب جريمة الانفصال عن سوريا، والانفصال عار!

ألا من يذكر هؤلاء، بأن لبنان لم يكن مرتبطا مع سوريا بمشروع وحدة، بل بمعاهدة اخوة وتعاون وتنسيق، وعندما ادت الممارسات والانجازات "الاخوية" الى ما ادت اليه، انفتحت الابواق السورية لتهدد:  اما بقاء سوريا في لبنان، او الحرب الاهلية، او استعادة التفجيرات، او انفلات السلاح الفلسطيني، او تدمير الكيان اللبناني بواسطة اصوليين فيهم الف "ابو مصعب"، او انقطاع الكهرباء والماء والمازوت، او اقفال الحدود وفرض حصار "تقدمي" على لبنان، او تفجير الصراعات المذهبية والطائفية فيه.. ثم صدقت بعض الافعال، بعض تلك الاقوال.. والخطر الى الامام.

هل نسي المريدون، ان سوريا في ظل دور رئيسي لحزب البعث سبق لها ان انفصلت بشكل حقيقي عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 رغم الاستفتاء الشعبي في سوريا ومصر حول دولة الوحدة الاولى من نوعها في العصر الحديث، علما ان مبدأ الوحدة لا يزال يتصدر شعار حزب البعث "وحدة، حرية، اشتراكية"!

ولعل من يقرأ احداث تلك الفترة، يعرف طبيعة الدور الذي لعبه حزب البعث ودفع بجمال عبد الناصر الى القول "ان يد البعث ملوثة بالدماء"، وعندما سئل عن سبب عدم اصداره الاوامر لقواته الموجودة في سوريا لضرب الانفصاليين الذين حركهم "البعث" بـ 40 دبابة فقط! اجاب "ليس المهم ان تبقى سوريا داخل الجمهورية العربية المتحدة... بل المهم ان تبقى سوريا"!

الفرق بعيد بين لبنان اليوم وسوريا الامس،  ولا وجه للمقارنة بينهما على الاطلاق، لكن رغم هذا، هل في دمشق اليوم، من يرقى الى الموقف الاخوي الحضاري ويقول: "المهم ان يبقى لبنان"!


() مدير تحرير صحيفة "الهدف" الكويتية.




Copyright © 2005 by Center for Democracy in Lebanon™.
The content throughout this Web site that originates with CDL
can be freely copied and used as long as you make no substantive
changes and clearly give us credit. Details.
Legal Statement
For problems or questions regarding this Web site contact Webmaster.
Last updated: 05/19/11.